نلتقي مع أسرار المحبين ... فالمحبون لهم أسرار وبين كل حبيب وحبيبه أسرار فالأسرار هي سر دوام الحب . والحب الأعظم وسر حياة القلوب هو حب الله ، والله يحب أن يكون بينه وبين عباده سر قال تعالى : (وإن تخفوها وتؤنوها الفقراء فهو خير لكم).

الإخلاص سر الأسرار ،الإخلاص سر الحب ، سر التوفيق ، سر الصبر ، سر التضحية ، سر الرضا ، سر القبول ، سر التواضع ، سر العفاف ،سر الكرم والثبات ، سر جبر الألم وسر الأدب والأسف والاعتراف ونقاء السريرة والحلم والعلم والعمل به والدعوة إليه.

الإخلاص هو سر الأسرار الذي يحرك الحجر ! ألم تر إلى الثلاثة الذين نزلت عليهم صخرة فسدت باب الغار بم توسلوا ؟! ، إنما توسلوا بإخلاصهم لله تعالى ، اللهم لين قلوبنا ورطبها بالإخلاص !

ماذا صنعت هذه الأيام المباركة في قلبك ، صيام ، وقيام ، وتلاوة قرآن .. هل أعتقت رقبتك من النار ؟ ثم الإخلاص ما السبيل إلى تحقيقه ؟ لا ترى نفسك ولا عملك فإنك إن نظرت إليه أحبطته !!

مازلنا مع أسرار المحبين ، فالحب له أسرار وحين يحب العبد ربه فإن أجل سر بين العبد وربه هو الفرح بالله ! ودوما نقول أن السعادة سعادة القلب والحزن حزن القلب وكم ترى ظاهر الإنسان يقهقه ومن داخله يتقطع حزنا والعكس بالعكس .. فالقلب بيد الرب ولا يسعد القلب إلا هو سبحانه.

قال الله تعالى : قل بفضل الله وبرحمته فبذلك فليفرحوا هو خير مما يجمعون فهناك فرح بحق وفرح بباطل منهي عنه كمثل فرح قارون الذي نهاه عنه أصحابه :لا تفرح إن الله لا يحب الفرحين . هو الفرح الذي تشوبه الخيلاء والبطر.

ومن أسرار المحبين سر جديد غاية في (الروقان) في زمن الكدر والحقد والبغضاء يأتي (سر الصفاء) وهو ثمرة من ثمرات العلاقة الصحيحة بين العبد وربه حين يكون ثقة العبد بربه وحسن ظنه به وحسن توكله عليه.

كيف تصفو القلوب من الداخل .. من الباطن .. سر الحال بين العبد وربه ؟؟؟ السبيل هو الانشغال بالله وحده حيث أن الانشغال بالناس مكأبة ’ وقد قال ابن عباس رضي الله عنهما : أخسر الناس صفقة من انشغل بالناس عن نفسه ، وأخسر منه من انشغل بنفسه عن الله.

بعض الناس تعود الحزن والألم حتى صار الحزن جزء منه أو هو جزء من الحزن! فما السبيل لإصلاح مثل هذا ؟ والجواب لا سبيل لإصلاح مثل هذا أبدا إلا أن يعرف هذا الإنسان المعنى الحقيقي لكون الله تعالى هو وحده من بيده ملكوت كل شيء!!

من أسرار المحبين سر (رقة القلب) ،هؤلاء المؤمنين حين يعيشون هذا المعنى -رقة القلب للمسلمين- يمتدحهم الله تعالى في كتابه بقوله: (واخفض جناحك للمؤمنين) وهذا يحدث فقط حين يشاهد هيبة الله تعالى فينخفض لها جناح الذل والتواضع.

رقة القلب سر من أسرار المحبين وهو أنهم يحسون بالرقة في القلب والرقة في التلقي عن المحبوب ، رقة تملأ كل جنبات الحياة في زمن قسى فيه الناس بعضهم على بعض .. وإن أول ما يستجلب به رقة القلب هو القرآن الكريم كلام الله تعالى إذا انشغل به الإنسان تلاوةً وحفظًا وتدبرًا وعملًا ودعوةً يملأ القلب رقة .

القرآن أيها الإخوة هو كلام الله العظيم وهو ذاته سر من أسرار المحبين ،وكل المسلمين يقرأونه ويسمعونه ولكن سبحان الله العظيم ! فرق بين تالٍ وتالِ وبين سامعٍ وسامع ! وسبحان الله كم تعجبت كم كان مصعب بن عمير رضي الله عنه ما يزيد على أن يتلو آيات من القرآن فيُسّلِمُ الناس من حوله !

سر التضحية من أسرار المحبين ، فإن الحب له ثمن! وكن على يقين أنه لا يعرف الحب بحق إلا من أحب الله ثم أحب بعد ذلك لله وفي الله ! أما ما تتكلم عنه الأغاني والمسلسلات فاسمه فجور وفسوق وليس حب !

قيل في مدرسة الحياة أن من أراد أن يبني مستقبلا لأولاده فعليه أن (يضحي) بجزء من مستقبله! كم ضحينا من أجل زوجة أو ولد أو صديق ثم نفاجأ أننا نندم أحيانا لتضحيتنا لمن لا يستحق ولمن لا يثمر فيه تضحياتنا .. فهل جربت أن تضحي لله تعالى الذي لا يضيع أجر من أحسن عملا ؟!

أحب أن أبشركم أن سر التضحية هو أن يكون عندك الاستعداد أن تضحي حتى دون أن تضحي ! نعم قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : أكثر شهداء أمتي على الفرش وقال : نية المؤمن تسبق عمله. فالله تعالى يرى من قلبك كل شئ ولا يخفى عليه شئ فطهر قلبك لله واعزم على التضحية من أجله وفي سبيله.

أتساءل كيف تحقيق هذه المعاني الإيمانية التي نذكرها في هذا البرنامج ؟ وكأني بأحدكم يقول: الحقيقة أنها صعبة.. وأقول نعم وما السهل في هذه الدنيا أنت تتعب من أجل لقمة العيش ومن أجل أولادك وعملك وترى أنك لابد أن تتعب لتحصل على ماتريد فلماذا تستصعب أمر الدين ؟! إن أول من يستحق التضحية من أجله هو الله....

مع سر جديد من أسرار المحبين هو سر خطير ألا وهو سر (التوفيق) وخطورته تكمن في أنه العلاج الوحيد لكثير من الأخطاء في حياتك . هل اتخذت قرار وندمت عليه أو هل لو عاد بك الزمان كنت ستغير أشياء من حياتك وتصحح اختيارات اتخذتها قبل ذلك ؟! اعلم أن الله إذا أحبك وفقك فصرت مسددا موفقا لكل خير.

هل تستشعر التوفيق في معظم قراراتك واختياراتك أم أنك تعاني من كثرة الأخطاء ومن الخذلان في حياتك ، إعلم أن المحبوب موفق وليس الشأن أن تُحِب ولكن الشأن أن تُحَب !

قال تعالى في الحديث القدسي : (ماتقرب عبدي إلي بأحب إلي مما افترضته عليه ولايزال عبدي يتقرب إلي بالنوافل حتى أحبه) فإذا أردت أن تكون موفقًا فعليك أن تسعى لحبه سبحانه، وسعيك لحبه يكون بإصلاح الفرائض وزيادة النوافل ، فقل لي بالله عليك كيف حال الفرائض عندك ؟!

وقفنا على نقطة خطيرة ومهمة وهي استعمال الحكمة في التدرج في زيادة النوافل ، يقول ابن القيم : الطريق إلى الله طريق واسعة ،جعلها الله كذلك لاختلاف الطاقات والقدرات والمواهب والأعطيات ، فلم يجعل تعالى برحمته مرضاته في شئ واحد بل تعددت مراضيه ليناسب ذلك اختلاف الطاقات.

سر جديد من أسرار المحبين وهو سر (المسارعة) ، فهذه الدنيا تنقضي بسرعة والواجبات كثيرة ، قال الله تعالى ((كلا لما يقض ما أمره)) .. لذلك فإن من أسرار محبي الله تعالى هو المنافسة والمسابقة والمسارعة وانتهاز الفرص في فعل الخيرات للتقرب إلى ربهم جل وعلا .

أمرنا الله تعالى بالمسارعة أمرا مباشرا في كتابه فقال تعالى : ((وسارعوا إلى مغفرة من ربكم وجنة عرضها السماوات والأرض أعدت للمتقين)) وقال عز من قائل : ((سابقوا إلى مغفرة من ربكم وجنة عرضها كعرض السماء والأرض أعدت للذين آمنوا بالله ورسله)) .

إنني أريد أن أطمئن على حالك مع الله .. هل وجدت بعد الحلقات السابقة من نفسك نوع مسارعة إلى الصالحات وفعل مراضي الله تعالى ؟ هل أتتك هذه الحماسة ؟ إن هذه دعوة للعمل وأرجو أن لا يظل كلامنا هذا مجرد كلام !

أيها السائر إلى الله .. تزود للسفر وأكثر الزاد فإن السفر طويل، وخفف الحمل فإن العقبة كئود، وأحسن العمل فإن الناقد بصير!

إننا بحاجة أيها الإخوة أن نتعلم وأن نتدرب على التركيز ، فكم ندخل في الصلاة فتضيع جلها بعدم التركيز وكم نمسك بالمصحف فتضيع نصف التلاوة لعدم التركيز !

سر الشوق للقاء الله تعالى ورؤية وجهه الكريم من أجل أسرار المحبين : لقد سأل رسول الله صلى الله عليه وسلم ربه جل وعلا أن يرزقه الشوق للقائه ، فهل لي أن أسألك أخي هل اشتقت يوما لرؤية وجه الله الكريم أو وقع في قلبك يوما أنك تشتهي أن ترى الله تعالى ؟ وهل جرى لك وأنت تذكر الله تعالى في خلوة أن غلبك الشوق

الشوق للقاء لله ورؤية وجه الله وجوار الله في الجنة ثم الشوق للجنة وسوق الجنة وأنهار الجنة وثمار الجنة والشوق لصحبة الأنبياء والمرسلين والصحابة والتابعين .. أين شوقك يا مسلم ولمن شوقك يا مؤمن ؟

إخوتي الدنيا وما الدنيا ؟! هذه الدنيا تحتاج إلى فهم حتى نستطيع أن نعيشها على مراد الله منا ومنها لا مرادنا نحن .. إخوتي إن فهم الدنيا يكمن في آية واحدة : قال تعالى : ((إنا جعلنا ما على الأرض زينة لها لنبلوهم أيهم أحسن عملا))..

قيل مرة لأبي يحيى مالك بن دينار : شوقنا ، فقال : إن في الجنة حورية لولا أن الله كتب على أهل الجنة ألا يموتوا لماتوا من حسنها إذا رأوها! ، فلم يزل السائل كمداً ! إخوتي هل اشتقتم إلى الجنة ؟ في الجنة لا تعب ولا نصب ولا بغضاء ولا صراعات ولا أحقاد ، في الجنة نعيم فقط، نعيم للأبد!

هذه هي الخاتمة ، نسأل الله تعالى أن يحسن خاتمتنا في الأمور كلها وأن يجيرنا من خزي الدنيا وعذاب الآخرة ، اللهم و اجعل خير أعملنا خواتمها وخير أعمارنا خواتمها وخير أيامنا يوم نلقاك فيه ، وصلت بنا سفينة الشوق إلى شاطئ الحب ! وفي النهاية فرحة بحب لقاء الله تعالى أسأل الله أن يجعلنا من الذين أحبوا لقاءه